فَلَمَّا
جَآءَهُمْ
بِالْحَقِّ
مِنْ
عِنْدِنَا
قَالُوا
اقْتُلُوْۤا
اَبْنَآءَ
الَّذِیْنَ
اٰمَنُوْا
مَعَهٗ
وَاسْتَحْیُوْا
نِسَآءَهُمْ ؕ
وَمَا
كَیْدُ
الْكٰفِرِیْنَ
اِلَّا
فِیْ
ضَلٰلٍ
۟
۳
ثم لم يكتفوا بهذا القول ، بل انتقلوا إلى مرحلة أخرى أشد وأطغى ، فقالوا - كما حكى القرآن عنهم : ( فَلَمَّا جَآءَهُمْ بالحق مِنْ عِندِنَا قَالُواْ اقتلوا أَبْنَآءَ الذين آمَنُواْ مَعَهُ واستحيوا نِسَآءَهُمْ . . . ) .أى : فحين وصل إليهم موسى - عليه السلام - بدعوته - وخاطبهم بما أمره الله - تعالى - أن يخاطبهم به ، وجابههم بالحق الذى زوده الله - تعالى - به .ما كان منهم إلا أن قالوا - على سبيل التهديد والوعيد - : اقتلوا الذكور من أبناء الذين آمنوا مع موسى ، ودخلوا فى دينه ، واتركوا الإِناث بدون قتل لخدمتكم ، وليكون ذلك أبلغ فى إذلالهم . إذ بقاء النساء بدون رجال فتنة كبيرة . وذل عظيم .والتعبير بقوله : ( فَلَمَّا جَآءَهُمْ بالحق مِنْ عِندِنَا ) يشعر بأن هؤلاء الظالمين قد جاءهم الحق إلى بيوتهم ومساكنهم ، وأنهم لم يخرجوا لطلبه ، وإنما هو الذى جاءهم عن طريق موسى ، المؤيد بآيات الله - تعالى - .والقائلون : ( اقتلوا أَبْنَآءَ الذين آمَنُواْ مَعَهُ واستحيوا نِسَآءَهُمْ ) هم الملأ من قوم فرعون الذين كانوا يزينون له الظلم والعدوان . إرضاء له . وإرهابا لموسى - عليه السلام - ولمن آمن معه .قال الإِمام الرازى : والصحيح أن هذا القتل كان غير القتل الذى وقع فى وقت ولادة موسى ، لأن القتل فى ذلك الوقت كان بسبب أن المنجمين قد أخبروا فرعون بولادة عدو له يظهر عليه ، فأمر بقتل الأبناء فى ذلك الوقت . وأما فى هذا الوقت . فموسى - عليه السلام - كان قد جاءه وأظهر المعجزات . فعند ذلك أمر بقتل أبناء الذين آمنوا معه ، لئلا ينشأوا على دين موسى ، فيقوى بهم . وهذه العلة مختصة بالبنين دون البنات . فلهذا السبب أمر بقتل الأبناء . .وقوله - تعالى - : ( وَمَا كَيْدُ الكافرين إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ) توهين لشأن الكافرين فى كل زمان ومكان ، وتشجيع للمؤمنين على أن يسيروا فى طريق الحق دون أن يرهبهم وعد أو وعيد . فإن النصر سيكون فى النهاية لهم .أى : وما كيد الكافرين ومكرهم وعدوانهم ، إلا مصيره إلى الضلال والضياع والبطلان . يقال : ضل فلان الطريق إذا ضاع منه الرشد . والتبست عليه السبل . وصار تائها لا يعرف له طريقا يوصله إلى ما يريد .والجملة الكريمة معطوفة على قوله : ( قَالُواْ اقتلوا أَبْنَآءَ الذين آمَنُواْ مَعَهُ ) وجملة ( وَمَا كَيْدُ الكافرين إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ) اعتراضية ، جئ بها مسارعة لبيان خسرانهم وضلالهم .