وَقَالَ
یٰبَنِیَّ
لَا
تَدْخُلُوْا
مِنْ
بَابٍ
وَّاحِدٍ
وَّادْخُلُوْا
مِنْ
اَبْوَابٍ
مُّتَفَرِّقَةٍ ؕ
وَمَاۤ
اُغْنِیْ
عَنْكُمْ
مِّنَ
اللّٰهِ
مِنْ
شَیْءٍ ؕ
اِنِ
الْحُكْمُ
اِلَّا
لِلّٰهِ ؕ
عَلَیْهِ
تَوَكَّلْتُ ۚ
وَعَلَیْهِ
فَلْیَتَوَكَّلِ
الْمُتَوَكِّلُوْنَ
۟
٣
ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك ما وصى به يعقوب أبناءه عند سفرهم فقال ( وَقَالَ يابني لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وادخلوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ . . . ) .أى : وقال يعقوب - الأب العطوف - لأبنائه وهو يودعهم : يا بنى إذا وصلتم إلى مصر ، فلا تدخلوا كلكم من باب واحد ، وأنتم أحد عشر رجلاً بل ادخلوا من أبوابها المتفرقة ، بحيث يدخل كل اثنين أو ثلاثة من باب .قالوا : وكانت أبواب مصر فى ذلك الوقت أربعة أبواب .وقد ذكر المفسرون أسباباً متعددة لوصية يعقوب هذه لأبنائه ، وأحسن هذه الأسباب ما ذكره الآلوسى فى قوله : نهاهم عن الدخول من باب واحد ، حذراً من إصابة العين ، أى من الحسد ، فإنهم كانوا ذوى جمال وشارة حسنة . . فكانوا مظنة لأن يعانوا - أى لأن يحسدوا - إذا ما - دخلوا كوكبة واحدة . . .ثم قال : والعين حق ، كما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصح أيضاً بزيادة " ولو كان شئ يسبق القدر سبقته العين " .وقد ورد أيضاً : " إن العين لتدخل الرجل القبر ، والجمل القدر " .وقيل : إن السبب فى وصية يعقوب لأبنائه بهذه الوصية ، خوفه عليهم من أن يسترعى عددهم حراس مدينة مصر إذا ما دخلوا من باب واحد ، فيترامى فى أذهانهم أنهم جواسيس أو ما شابه ذلك ، فربما سجنوهم ، أو حالوا بينهم وبين الوصول إلى يوسف - عليه السلام - . . .وقوله ( وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ الله مِن شَيْءٍ ) اعتراف منه - عليه السلام - بأن دخولهم من الأبواب المتفرقة ، لن يحول بينهم وبين ما قدره - تعالى - وأراده لهم ، وإنما هو أمرهم بذلك من باب الأخذ بالأسباب المشروعة .أى : وإنى بقولى هذا لكم ، لا أدفع عنكم شيئا قدره الله عليكم ، ولو كان هذا الشئ قليلا .( إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ ) أى : ما الحكم فى كل شئ إلى لله - تعالى - وحده لا ينازعه فى ذلك منازع . ولا يدافعه مدافع .( وعليه ) وحده ( توكلت ) فى كل أمورى .( وعليه ) وحده ( فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون ) أى المريدون للتوكل الحق ، والاعتماد الصدق الذى لا يتعارض مع الأخذ بالأسباب التى شرعها الله وأمر بها .إذ أن كلا من التوكل والأخذ بالأسباب مطلوب من العبد ، إلا أن العاقل عندما يأخذ فى الأسباب يجزم بأن الحكم لله وحده فى كل الأمور ، وأن الأسباب ما هى إلا أمور عادية ، يوجد الله - تعالى - معها ما يريد إيجاده ، ويمنع ما يريد منعه ، فهو الفعال لما يريد .ويعقوب - عليه السلام - عندما أوصى أبناءه بهذه الوصية ، أرادبها تعليمهم الاعتماد على توفيق الله ولطفه ، مع الأخذ بالأسباب المعتادة الظاهرة تأدباً مع الله - تعالى - واضع الأسباب ومشرعها . . .