یٰۤاَیُّهَا
الْاِنْسَانُ
اِنَّكَ
كَادِحٌ
اِلٰی
رَبِّكَ
كَدْحًا
فَمُلٰقِیْهِ
۟ۚ
3
ثم وجه - سبحانه بعد ذلك نداء للإِنسان ، دعاه فيه إلى طاعته وإخلاص العبادة له ، فقال : ( ياأيها الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ ) والمراد بالإِنسان هنا : جنسه .وأصل الكدح فى كلام العرب : السعى فى سبيل الحصول على الشئ بجد واجتهاد وعناء .مأخوذ من كدح فلان جلده ، إذا خدشه ، ومنه قول الشاعر :وما الدهر إلا تارتان فمنهما ... أموت ، وأخرى أبتغى العيش أكدحُوقول الآخر :ومضت بشاشة كل عيش صالح ... وبقيت أكدح للحياة وأَنْصِبُأى : وبقيت أسعى سعيا حثيثا للحياة ، وأتعب من أجل الحصول على مطالبى فيها .والضمير فى قوله : ( فَمُلاَقِيهِ ) يعود إلى الله - تعالى - ، ويصح أن يعود للكدح ، بمعنى ملاق جزاء هذا الكدح .والمعنى : يأيها الإِنسان إنك اباذل فى حياتك جهدا كبيرا من أجل مطالب نفسك .وإنك بعد هذا الكدح والعناء . . مصيرك فى النهاية إلى لقاء ربك ، حيث يحاسبك على عملك وكدحك . . فقدم فى دنياك الكدح المشروع ، والعمل الصالح .والسعى الحثيث فى طاعته - تعالى - ، لكى تنال ثواب ربك ورضاه .قال ابن كثير : وقوله : ( ياأيها الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً ) أى : ساع إلى ربك سعيا ، وعامل عملا ( فَمُلاَقِيهِ ) ثم إنك ستلقى ما عملت من خير أو شر .ويشهد لذلك ما رواه أبو داود الطيالسى . . عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال جبريل : يا محمد ، عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب ما شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه " .ومن الناس من يعيد الضمير على قوله ( رَبِّكَ ) أى : فملاق ربك فيجازيك بعملك ، ويكافئك على سعيك ، وعلى هذا فكلا القولين متلازم .