مَنْ
كَانَ
عَدُوًّا
لِّلّٰهِ
وَمَلٰٓىِٕكَتِهٖ
وَرُسُلِهٖ
وَجِبْرِیْلَ
وَمِیْكٰىلَ
فَاِنَّ
اللّٰهَ
عَدُوٌّ
لِّلْكٰفِرِیْنَ
۟
قوله تعالى : من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرينقوله تعالى : من كان عدوا لله شرط ، وجوابه فإن الله عدو للكافرين . وهذا وعيد وذم لمعادي جبريل عليه السلام ، وإعلان أن عداوة البعض تقتضي عداوة الله لهم . وعداوة العبد لله هي معصيته واجتناب طاعته ، ومعاداة أوليائه . وعداوة الله للعبد تعذيبه وإظهار أثر العداوة عليه .فإن قيل : لم خص الله جبريل وميكائيل بالذكر وإن كان ذكر الملائكة قد عمهما ؟قيل له : خصهما بالذكر تشريفا لهما ، كما قال : فيهما فاكهة ونخل ورمان . وقيل : خصا [ ص: 37 ] لأن اليهود ذكروهما ، ونزلت الآية بسببهما ، فذكرهما واجب لئلا تقول اليهود : إنا لم نعاد الله وجميع ملائكته ، فنص الله تعالى عليهما لإبطال ما يتأولونه من التخصيص . ولعلماء اللسان في جبريل وميكائيل عليهما السلام لغات ، فأما التي في جبريل فعشر :الأولى : جبريل ، وهي لغة أهل الحجاز ، قال حسان بن ثابت :وجبريل رسول الله فيناالثانية : جبريل ( بفتح الجيم ) وهي قراءة الحسن وابن كثير ، وروي عن ابن كثير أنه قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وهو يقرأ جبريل وميكائيل فلا أزال أقرؤهما أبدا كذلك .الثالثة : جبرئيل ( بياء بعد الهمزة ، مثال جبرعيل ) ، كما قرأ أهل الكوفة ، وأنشدوا :شهدنا فما تلقى لنا من كتيبة مدى الدهر إلا جبرئيل أمامهاوهي لغة تميم وقيس .الرابعة : جبرئل ( على وزن جبرعل ) مقصور ، وهي قراءة أبي بكر عن عاصم .الخامسة : مثلها ، وهي قراءة يحيى بن يعمر ، إلا أنه شدد اللام .السادسة : جبرائل ( بألف بعد الراء ثم همزة ) وبها قرأ عكرمة .السابعة : مثلها ، إلا أن بعد الهمزة ياء .الثامنة : جبرييل ( بياءين بغير همزة ) وبها قرأ الأعمش ويحيى بن يعمر أيضا .التاسعة : جبرئين ( بفتح الجيم مع همزة مكسورة بعدها ياء ونون ) .العاشرة : جبرين ( بكسر الجيم وتسكين الباء بنون من غير همزة ) وهي لغة بني أسد .قال الطبري : ولم يقرأ بها . قال النحاس - وذكر قراءة ابن كثير - : " لا يعرف في كلام العرب فعليل ، وفيه فعليل ، نحو دهليز وقطمير وبرطيل ، وليس ينكر أن يكون في كلام العجم ما ليس له نظير في كلام العرب ، وليس ينكر أن يكثر تغيره ، كما قالوا : إبراهيم وإبرهم وإبراهم وإبراهام " . قال غيره : جبريل اسم أعجمي عربته العرب ، فلها فيه هذه اللغات ولذلك لم ينصرف .قلت : قد تقدم في أول الكتاب أن الصحيح في هذه الألفاظ عربية نزل بها جبريل بلسان عربي مبين . قال النحاس : ويجمع جبريل على التكسير جباريل .[ ص: 38 ] وأما اللغات التي في ميكائيل فست :الأولى : ميكاييل ، قراءة نافع .الثانية : وميكائيل ( بياء بعد الهمزة ) قراءة حمزة .الثالثة : ميكال ، لغة أهل الحجاز ، وهي قراءة أبي عمرو وحفص عن عاصم . وروي عن ابن كثير الثلاثة أوجه ، قال كعب بن مالك :ويوم بدر لقيناكم لنا مدد فيه مع النصر ميكال وجبريلوقال آخر [ هو جرير ] :عبدوا الصليب وكذبوا بمحمد وبجبرئيل وكذبوا ميكالاالرابعة : ميكئيل مثل ميكعيل ، وهي قراءة ابن محيصن .الخامسة : ميكاييل ( بياءين ) وهي قراءة الأعمش باختلاف عنه .السادسة : ميكاءل ، كما يقال ( إسراءل بهمزة مفتوحة ) ، وهو اسم أعجمي فلذلك لم ينصرف . وذكر ابن عباس أن جبر وميكا وإسراف هي كلها بالأعجمية بمعنى : عبد ومملوك . وإيل : اسم الله تعالى ، ومنه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين سمع سجع مسيلمة : هذا كلام لم يخرج من إل ، وفي التنزيل : لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة في أحد التأويلين ، وسيأتي . قال الماوردي : إن جبريل وميكائيل اسمان ، أحدهما عبد الله ، والآخر عبيد الله ; لأن إيل هو الله تعالى ، وجبر هو عبد ، وميكا هو عبيد ، فكأن جبريل عبد الله ، وميكائيل عبيد الله ، هذا قول ابن عباس ، وليس له في المفسرين مخالف .قلت : وزاد بعض المفسرين : وإسرافيل عبد الرحمن . قال النحاس : ومن تأول الحديث " جبر " عبد ، و " إل " الله وجب عليه أن يقول : هذا جبرئل ورأيت جبرئل ومررت بجبرئل ، وهذا لا يقال ، فوجب أن يكون معنى الحديث أنه مسمى بهذا . قال غيره : ولو كان كما قالوا لكان مصروفا ، فترك الصرف يدل على أنه اسم واحد مفرد ليس بمضاف . وروى عبد الغني الحافظ من حديث أفلت بن خليفة - وهو فليت العامري وهو أبو حسان - عن جسرة بنت دجاجة عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم رب جبريل وميكايل وإسرافيل أعوذ بك من حر النار وعذاب القبر .