وَلَا
تُجَادِلُوْۤا
اَهْلَ
الْكِتٰبِ
اِلَّا
بِالَّتِیْ
هِیَ
اَحْسَنُ ۖۗ
اِلَّا
الَّذِیْنَ
ظَلَمُوْا
مِنْهُمْ
وَقُوْلُوْۤا
اٰمَنَّا
بِالَّذِیْۤ
اُنْزِلَ
اِلَیْنَا
وَاُنْزِلَ
اِلَیْكُمْ
وَاِلٰهُنَا
وَاِلٰهُكُمْ
وَاحِدٌ
وَّنَحْنُ
لَهٗ
مُسْلِمُوْنَ
۟
ثم أمر الله - تعالى - رسوله والمؤمنين . أن يجادلوا أهل الكتاب بالتى هى أحسن ، ما داموا لم يرتكبوا ظلماً ، وأقام - سبحانه - الأدلة على أن هذا القرآن من عنده وحده ، فقال : ( وَلاَ تجادلوا أَهْلَ . . . إِلاَّ الظالمون ) .والمجادلة : المخاصمة . يقال : جادل فلانٌ فلاناً : إذا خاصمه ، وحرص كل واحد منها على أن يغلب صاحبه بقوة حجته . أى : ولا تجادلوا - أيها المؤمنون - غيركم من أهل الكتاب ، وهم اليهود والنصارى ، إلا بالطريقة التى هى أحسن ، بأن ترشدوهم إلى طريق الحق بأسلوب لين كريم ، كما قال - تعالى - فى آية أخرى : ( ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ ) وقوله : ( إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ ) استثناء من الذين يجادلون بالتى هى أحسن .أى : ناقشوهم وأرشدوهم إلى الحق بالتى هى أحسن ، إلا الذين ظلموا منهم . بأن أساءوا إليكم ، ولم يستعملوا الأدب فى جدالهم ، فقابلوهم بما يليق بحالهم من الإِغلاظ والتأديب .وعلى هذا التفسير يكون المقصود بالآية الكريمة ، دعوة المؤمنين إلى استعمال الطريقة الحسنى فى مجادلتهم لأهل الكتاب عموماً . ما عدا الظالمين منهم فعلى المؤمنين أن يعاملوهم بالأسلوب المناسب لردعهم وزجرهم وتأديبهم .وقيل : المرد بأهل الكتاب هنا : المؤمنون منهم ، والمرد بالذين ظلموا : من بقى على الكفر منهم .فيكون المعنى : ولا تجادلوا - أيها المؤمنون - من آمن من أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن ، إلا لاذين بقوا على كفرهم فعاملوهم بما يليق بحالهم من التأديب والإِغلاظ عليهم .ويبدو لنا أن التفسير الأول هو الأرجح والأظهر ، لأن الآية مسوقة لتعليم المؤمنين كيف يجادلون من بقى على دينه من أهل الكتاب ، ولأن من ترك كفره منهم ودخل فى الإِسلام أصبح مسلما وليس من أهل الكتاب ، وما دام الأمر كذلك فليس المسلمون فى حاجة إلى إرشادهم إلى كيفية مجادلته ، ولأن قوله - تعالى - بعد ذلك : ( وقولوا آمَنَّا بالذي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ ) يرجح أن المراد بأهل الكتاب هنا من بقى على دينه منهم .أى : جادلوهم بالطريقة الحسنى ما داموا لم يظلموكم ، وقولوا لهم على سبيل التعليم والإِرشاد ( آمَنَّا بالذي أُنزِلَ إِلَيْنَا ) وهو القرآن ، وآمنا بالذى أنزل إليكم من التوراة والإِنجيل .قال الشوكانى : أى : آمنا بأنهما منزلان من عند الله ، وأنهما شريعة ثابتة إلى قيام الشريعة الإِسلامية ، والبعثة المحمدية ولا يدخل فى ذلك ما حرفوه وبدلوه .( وإلهكم وَاحِدٌ ) لا شريك له لا فى ذاته ولا فى صفاته ( وَنَحْنُ ) جميعاً معاشر المؤمنين ( لَهُ مُسْلِمُونَ ) أى : مطيعون وعابدون له وحده ، ولا نتخذ أربابا من دونه - عز وجل - .قال القرطبى ما ملخصه : اختلف العلماء فى قوله - تعالى - : ( وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب . . . ) فقال مجاهد : هى محكمة ، فيجوز مجادلة أهل الكتاب بالتى هى أحسن ، على معنى الدعاء لهم إلى الله - عز وجل - ، والتنبيه على حججه وآياته . . وقوله : ( إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ ) أى ظلموكم . .وقيل : هذه الآية منسوخة بآية القتال وهى قوله :( قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله . . ) وقول مجاهد : حسن ، لأن أحكام الله - عز وجل - لا يقال فيها إنها منسوخة إلا بخير يقطع العذر ، أو حجة من معقول . .