وَالَّتِیْۤ
اَحْصَنَتْ
فَرْجَهَا
فَنَفَخْنَا
فِیْهَا
مِنْ
رُّوْحِنَا
وَجَعَلْنٰهَا
وَابْنَهَاۤ
اٰیَةً
لِّلْعٰلَمِیْنَ
۟
3

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر التي أحصنت فرجها ، يعني مريم بنت عمران.

ويعني بقوله ( أَحْصَنَتْ ) : حفظت فرجها ومنعت فرجها مما حرم الله عليها إباحته فيه.

واختلف في الفرج الذي عنى الله جلّ ثناؤه أنها أحصنته ، فقال بعضهم: عنى بذلك فرج نفسها أنها حفظته من الفاحشة.

وقال آخرون: عنى بذلك جيب درعها أنها منعت جبرائيل منه قبل أن تعلم أنه رسول ربها ، وقبل أن تثبته معرفة، قالوا: والذي يدلّ على ذلك قوله ( فَنَفَخْنَا فِيهَا ) ويعقب ذلك قوله ( وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ) قالوا: وكان معلوما بذلك أن معنى الكلام: والتي أحصنت جيبها( فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا ) .

قال أبو جعفر: والذي هو أولى القولين عندنا بتأويل ذلك قول من قال: أحصنت فرجها من الفاحشة ، لأن ذلك هو الأغلب من معنييه عليه ، والأظهر في ظاهر الكلام ، ( فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا ) يقول: فنفخنا في جيب درعها من روحنا ، وقد ذكرنا اختلاف المختلفين في معنى قوله ( فَنَفَخْنَا فِيهَا ) في غير هذا الموضع ، والأولى بالصواب من القول في ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

وقوله ( وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ) يقول: وجعلنا مريم وابنها عبرة لعالمي زمانهما يعتبرون بهما ويتفكرون في أمرهما ، فيعلمون عظيم سلطاننا وقدرتنا على ما نشاء: وقيل آية ولم يقل آيتين وقد ذكر آيتين ، لأن معنى الكلام: جعلناهما عَلَما لنا وحجة ، فكل واحدة منهما في معنى الدلالة على الله ، وعلى عظيم قدرته يقوم مقام الآخر إذا كان أمرهما في الدلالة على الله واحدا.