وَاِنْ
تَعْجَبْ
فَعَجَبٌ
قَوْلُهُمْ
ءَاِذَا
كُنَّا
تُرٰبًا
ءَاِنَّا
لَفِیْ
خَلْقٍ
جَدِیْدٍ ؕ۬
اُولٰٓىِٕكَ
الَّذِیْنَ
كَفَرُوْا
بِرَبِّهِمْ ۚ
وَاُولٰٓىِٕكَ
الْاَغْلٰلُ
فِیْۤ
اَعْنَاقِهِمْ ۚ
وَاُولٰٓىِٕكَ
اَصْحٰبُ
النَّارِ ۚ
هُمْ
فِیْهَا
خٰلِدُوْنَ
۟
3
وهذه الأدلة يشاهدها الناس بأبصارهم ، ويحسونها بحواسهم ، تبصرة وذكرى لكل عبد منيب .وعبد هذا الحديث المتنوع عن مظاهر قدرة الله فى خلقه ، ساق - سبحانه - بعض أقوال المشركين الفاسدة ، ورد علهيا بما يدحضها فقال - تعالى - :( وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي . . . ) .قال القرطبى : قوله - تعالى - : ( وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ ) أى : إن تعجب يا محمد من تكذيبهم لك بعدما كنت عندهم الصادق الأمين . فأعجب منه تكذيبهم بالبعث - لأن من شاهد ما عدد - سبحانه - من الآيات الدالة على قدرته . أيقن بأن من قدر على إنشائها ، كانت الإِعادة أهون شئ عليه وأيسره ، والله - تعالى - لا يتعجب ، ولا يجوز عليه التعجب ، لأنه - أى التعجب - تغير النفس بما تخفى أسبابه ، وذلك فى حقه - تعالى - محال ، وإنما ذكر ذلك ليتعجب منه نبيه والمؤمنون .وجوز بعضهم أن يكون الخطاب لكل من يصلح له ، أى : وإن تعجب أيها العاقل لشئ بعد أن شاهدت من مظاهر قدرة الله فى هذا الكون ما شاهدت فازدد تعجبا ممن ينكر بعد كل هذا قدرته - سبحانه - على إحياء الموتى .قال الجمل : وقوله ( فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ ) فيه وجهان : أحدهما أنه خبر مقدم وقولهم مبتدأ مؤخر ، ولا بد من حذف صصفة لتتم الفائدة ، أى : فعجب أى عجب قولهم . أو فعجب غريب قولهم . والثانى أنه مبتدأ ، وسوغ الابتداء ما ذكرته من الوصف المقدر ، ولا يضر حينئذ كون معرفة .والتنكير فى قوله ( فعجب ) للتهويل والتعظيم .وجملة ( أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) فى محل نصب مقول القول .أى : وإن تعجب من شئ - أيها الرسول الكريم - فاعجب من قول أولئك المشركين : أئذا صرنا ترابا وعظاما نخرة بعد موتنا أئنا بعد ذلك لنعاد إلى الحياة مرة أخرى من جديد .والاستفهام للإِنكار ، لاستبعادهم الشديد إعادتهم إلى الحياة مرة أخرى لمحاسبتهم على أعمالهم ، كما حكى القرآن عنهم قولهم فى آية أخرى : ( أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ) وكرر همزة الاستفهام فى ( أئذا ) ، ( وأئنا ) لتأكيد هذا الإنكار .ثم بين - سبحانه - بعد ذلك جزاءهم على هذا القول الباطل فقال - تعالى - ( أولئك الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ . . . )أى : أولئك المنكرون لقدرة الله - تعالى - على البعث ، هم الذين كفروا بربهم ( وَأُوْلَئِكَ الأغلال في أَعْنَاقِهِمْ ) والأغلال : جمع غل . وهو قيد من حديد تشد به اليد إلى العنق ، وهو أشد أنواع القيود .أى : وأولئك هم الذين توضع الأغلال والقيود فى أيديهم وأعناقهم يوم القيامة ، عندما يساقون إلى النار بذلة وقهر ، بسبب إنكارهم لقدرة الله على إعادتهم إلى الحياة ، وبسبب جحودهم لنعم خالقهم ورازقهم .قال - تعالى - : ( إِذِ الأغلال في أَعْنَاقِهِمْ والسلاسل يُسْحَبُونَ . فِي الحميم ثُمَّ فِي النار يُسْجَرُونَ ) وقيل إن الجملة الكريمة تمثيل لحالهم فى الدنيا ، حيث شبه - سبحانه - امتناعهم عن الإِيمان ، وعدم التفاتهم إلى الحق ، بحال قوم فى أعناقهم قيود لا يستطيعون معها التفاتا أو تحركاً .والأول أولى لأن حمل الكلام على الحقيقة واجب ، ما دام لا يوجد مانع يمنع منه ، وهنا لا مانع ، بل صريح القرآن يشهد له .وقوله : ( وأولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدونَ ) أى : وأولئك الموصوفون بما ذكر ، هم أصحاب النار التى لا ينفكون عنها . ولا يخرجون منها .وكرر - سبحانه - اسم الإِشارة ، للتنبيه على أنهم أحرياء بما سيرد بعده من عقوبات .وجاء به للبعيد ، للإِشارة إلى بعد منزلتهم فى الجحود والضلال .